الهندسة السلوكية: كيف تؤثر الهوية الشخصية في سلوكيات الشراء؟

الهندسة السلوكية: كيف تؤثر الهوية الشخصية في سلوكيات الشراء؟

  • لماذا يتم تسعير المنتجات لتكون بـ 99 ريال بدلاً من 100 ريال؟ 
  • لماذا تظهر معظم العروض على أنها ذات «مدة محددة» أو «ينتهي العرض خلال يومين»
  • لماذا تحرص الشركات على إضافة مرئيات وتجارب العملاء السابقين؟

هذه الاستراتيجيات تهدف إلى إشعار العميل بحصوله على صفقة جيدة من خلال  مفهوم الندرة أو التأطير  أو من خلال الاثبات الاجتماعي وهي كلها استراتيجيات الهندسة السلوكية.

الهندسة السلوكية أو ما يُعرف بـ «Behavioral Engineering» هي دراسة وتطبيق تقنيات تهدف إلى  تغيير سلوكيات الأفراد  باستخدام معايير نفسية وسلوكية.

في عالم التسويق، تُستخدم الهندسة السلوكية لفهم وتوجيه سلوكيات الشراء للمستهلكين. واحدة من الأدوات القوية المستخدمة في هذه العملية هي الهوية الشخصية. الهوية الشخصية، عندما تُدمج بذكاء مع تقنيات الهندسة السلوكية، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سلوكيات المستهلكين وتوجيه قراراتهم الشرائية.

توظيف الهوية الشخصية لتشكيل سلوكيات المستهلك

الهوية الشخصية ليست فقط وسيلة لتمييز العلامة التجارية أو الفرد، بل هي أداة قوية تُستخدم لتأثير على سلوكيات المستهلك. عندما ترتبط الهوية الشخصية بعواطف وقيَم المستهلكين، فإنها  تصبح أكثر تأثيرًا في توجيه قراراتهم الشرائية. الهوية الشخصية تجعل العلامة التجارية تبدو أكثر إنسانية وتساعد في بناء علاقة متينة مع العملاء.

العوامل النفسية المؤثرة في سلوك المستهلك

  1. الانتماء الاجتماعي: الهوية الشخصية التي تعكس قيَم أو توجهات اجتماعية معينة تثير مشاعر الانتماء لدى المستهلكين كونهم يسعون دائمًا للشعور بالانتماء إلى مجموعة معينة، فعلى سبيل المثال، الشركات التي تروج للقضايا البيئية أو الاجتماعية تجذب العملاء الذين يشاركون نفس القيم.
    في دراسة أجرتها Cone Communications  وجدت أن 87% من  المستهلكين يشترون من الشركات التي تتماشى قيمها مع معتقداتهم الشخصية.
  2. التأثير العاطفي: عندما تعبّر الهوية الشخصية عن مشاعر أو تجارب مشتركة مع الجمهور، فإنها تؤثر بشكل أكبر على قرارات الشراء، حيث أن الهوية الشخصية التي تحمل رسالة عاطفية قوية تجعل العملاء يشعرون بأنهم جزء من القصة، مما يزيد من احتمالية الشراء.
    وفقًا لدراسة من Harvard Business Review، الشركات التي تعتمد على التواصل العاطفي مع عملائها تزيد من ولاء العملاء بنسبة 306%.
  3. التحفيز من خلال الندرة أو التميز: الأفراد يميلون إلى تفضيل المنتجات أو العلامات التجارية التي تخلق شعورًا بالتميز أو الندرة، والهوية الشخصية التي تُبرز هذا الجانب تساهم في تحفيز المستهلكين على اتخاذ قرار الشراء بشكل أسرع. على سبيل المثال، العلامات التجارية الفاخرة تستفيد من هذه الاستراتيجية لجذب العملاء الذين يرغبون في الشعور بالتميز من خلال منهم تجربة عميل مميزة وعروض حصرية.
    وجد تقرير صادر عن Luxury Institute أن 74% من العملاء الذين يشترون المنتجات الفاخرة يفعلون ذلك للشعور بالتميز وكجزء من التعبير عن هويتهم الشخصية.

كيف تربط الهوية الشخصية بالهندسة السلوكية؟

1. الوعي بالذات وتشكيل الهوية الشخصية بذكاء

أول خطوة للاستفادة من الهندسة السلوكية في بناء الهوية الشخصية هي الوعي بالذات باعتبار الهوية الشخصية هي مزيج من القيَم، الشخصية، المعتقدات، والمظاهر الخارجية التي تقدمها للآخرين، لذا عليك أن تكون واضحًا حول الصورة التي تريد تقديمها للآخرين وما هي الرسالة التي ترغب في إيصالها.

كيف يتداخل هذا مع الهندسة السلوكية؟ الهندسة السلوكية تعتمد على فهم كيف يستجيب الناس لتحفيزات معينة. لذا، إذا كنت تعرف كيف تؤثر الهوية التي تعكسها على سلوكيات الآخرين، يمكنك توجيه سلوكهم لتحقيق أهدافك. على سبيل المثال، إذا كانت هويتك الشخصية تعكس الكفاءة والمصداقية، فإن الناس سيكونون أكثر ميلًا للثقة بك والتفاعل معك.

مثال عملي:
في بيئة العمل، إذا كنت تريد التأثير على فريقك وجعلهم يشعرون بالثقة في قراراتك، عليك  بناء هوية شخصية تعكس الكفاءة والثقة.  قدم نفسك كقائد مطّلع على التفاصيل، وكن ثابتًا في اتخاذ القرارات. هنا، تتداخل الهندسة السلوكية، حيث سيؤدي تعزيز هويتك بهذه الطريقة إلى تغيير سلوك زملائك تجاهك، مما يجعلهم يتبعونك بشكل أكبر.

2. التأثير على الآخرين من خلال الانطباع الأول والتأطير

وفقًا للهندسة السلوكية، الانطباع الأول يؤثر بشدة على سلوك الآخرين تجاهك. كيفية تقديم نفسك في اللقاءات الأولى، سواء شخصيًا أو عبر الإنترنت، تشكل تصور الآخرين لك وتؤثر على طريقة تفاعلهم معك في المستقبل.

كيف تستخدم هذا مع الهوية الشخصية؟

عند ربط هذا بالمفاهيم النفسية، يجب عليك التأكيد على القيَم والعناصر الأساسية التي ترغب في أن يراها الآخرون فيك. قد تكون اللباقة، الثقة، الحزم، أو حتى التعاطف جزءًا من هويتك. من خلال التأطير الصحيح، يمكنك تحديد كيف يُنظر إليك.  على سبيل المثال، يمكن أن يكون الإطار الذي تضع فيه نفسك هو «الخبير أو الموجه أو الشخص الداعم». 
مثلاً إذا كنت تسعى لبناء هوية شخصية في عالم الأعمال كخبير في مجال معين، يمكنك استخدام استراتيجيات التأطير لجعل الآخرين يروك كقائد في مجالك. تحدث دائمًا عن إنجازاتك، وقدم محتوى متخصصًا على منصات مثل LinkedIn، مما يجعل الناس يرونك كخبير. وفقًا لمفهوم التأطير، هذه الأفعال تدفع الآخرين لرؤيتك كخبير وتغيير سلوكياتهم بالتعامل معك وفقًا لذلك.

3. استخدام الإثبات الاجتماعي في بناء الهوية الشخصية

إحدى أقوى الأدوات في الهندسة السلوكية هي الإثبات الاجتماعي، والذي يشير لميل الناس إلى اتباع سلوك الآخرين. يمكنك الاستفادة من هذا المبدأ لتعزيز هويتك الشخصية من خلال تقديم إثبات اجتماعي يظهر مدى قبولك في المجتمع أو المجال الذي تعمل فيه.

كيف تستفيد من الإثبات الاجتماعي؟

يمكنك تقديم هويتك الشخصية من خلال الاستفادة من شهادات أشخاص آخرين، أو عرض إنجازاتك ومشاركتك في فعاليات أو مشاريع جماعية تعزز من سمعتك. هذا النوع من الإثباتات الاجتماعية يعزز من مصداقيتك في أعين الآخرين.
لنفترض أنك تعمل في مجال التصميم الإبداعي، يمكنك تعزيز هويتك الشخصية من خلال مشاركة مشاريعك السابقة التي عملت عليها مع علامات تجارية مرموقة، أو من خلال تلقي شهادات من زملاء العمل أو العملاء على منصات التواصل الاجتماعي؛ سيخلق إثباتًا اجتماعيًا لجودة عملك وسيؤثر على سلوكيات الآخرين تجاهك، مثل اختيارك لمشاريع أكبر أو ثقتهم في آرائك.

4. الاستفادة من مبدأ الندرة لتكوين هوية شخصية متميزة

وفقًا للهندسة السلوكية، فإن الندرة تزيد من قيمة الشيء في أعين الآخرين. يمكنك استخدام مبدأ الندرة في بناء هويتك الشخصية من خلال تقديم نفسك كشخص ذو مهارات نادرة أو ذو معرفة متخصصة في مجالك.

كيف تربط هذا بالهوية الشخصية؟ بدلًا من أن تكون متاحًا للجميع في كل وقت، ركز على تعزيز صورة خاصة بك كخبير نادر ومطلوب. تقديم نفسك بهذه الطريقة سيؤثر على الطريقة التي يراك بها الناس ويحفزهم للتماشي معك واتخاذ قرارات تستند إلى تلك الرؤية.
إذا كنت استشاريًا في مجال معين، يمكنك تقليص عدد العملاء الذين تقبلهم أو تقديم خدمات استشارية خاصة لمجموعة محددة من العملاء فقط. هذه الاستراتيجية تعزز من هويتك كشخص ذو قيمة عالية وتجعل الآخرين يرغبون في الحصول على خدماتك، مما يؤثر على قراراتهم في التعامل معك.

5. التخصيص والتفاعل الشخصي لتشكيل سلوكيات الشراء

الهندسة السلوكية تشير إلى أن التخصيص يعزز التفاعل ويزيد من احتمالية اتخاذ القرارات الإيجابية. يمكنك تعزيز هويتك الشخصية من خلال التفاعل الشخصي مع جمهورك وجعلهم يشعرون بأنك تهتم بهم بشكل خاص.

فإذا كنت تدير عملًا أو تقدم خدمات فردية، احرص على تخصيص تواصلك مع الأشخاص، حيث سيشعر الناس بأنك تفهم احتياجاتهم وتتعامل معهم بشكل شخصي، فإن ذلك يعزز الولاء والتفاعل الإيجابي معك.
مثلاً إذا كنت مدربًا شخصيًا، يمكنك تخصيص خطط تدريب فريدة لكل عميل استنادًا إلى احتياجاته الفردية، وبهذا تعزز هويتك كمدرب يهتم بالتفاصيل والشخصية الفردية. هذا سيؤثر على سلوكيات عملائك، حيث سيكونون أكثر ولاءً لك وسيميلون للتفاعل مع خططك بشكل أكبر.

كيف يمكنك كفرد الاستفادة من هذه الاستراتيجيات؟

  • في حياتك المهنية: استخدم الهوية الشخصية لتعزيز مكانتك في العمل وقدم نفسك كخبير في مجال معين بالاعتماد على الإثبات الاجتماعي «مثل الإنجازات والشهادات» لتعزيز مصداقيتك. تأكد من أن هويتك تعكس الاحترافية والكفاءة.
  • في التسويق الشخصي: استفد من مبدأ الندرة لجعل نفسك مرغوبًا، فإذا كنت تقدم خدمات؛ قم بتحديد عدد العملاء أو المشاريع التي تقبلها لزيادة جاذبيتك.
  • في العلاقات الشخصية: استخدم التخصيص والتفاعل الشخصي لبناء علاقات قوية لأن الهوية الشخصية التي تعكس الاهتمام الحقيقي بالآخرين تعزز من ولاءهم وتفاعلهم معك.

دراسات عن تأثير الهوية على القرارات الشرائية

الهندسة السلوكية والهوية الشخصية مرتبطتان بشكل كبير، حيث يمكن استخدام مبادئ علم النفس السلوكي لتعزيز الهوية الشخصية وتوجيه سلوكيات الآخرين. من خلال التركيز على الندرة، الإثبات الاجتماعي، التأطير، والتخصيص، يمكنك بناء هوية شخصية قوية تؤثر إيجابيًا على سلوكيات الناس تجاهك، سواء في العمل أو في الحياة اليومية.

وفقًا لدراسة أجرتها Journal of Consumer Research، يميل العملاء الذين يرون أنفسهم متوافقين مع هوية العلامة التجارية، إلى الشراء بنسبة 82% أكثر من العملاء الذين لا يشعرون بهذا التوافق مما يؤكد أن الهوية الشخصية القوية تزيد من فرص بناء علاقات قوية مع العملاء وتساهم في دفعهم لاتخاذ قرارات شراء متكررة.

وفي دراسة من Accenture كشفت أن 66% من المستهلكين يفضلون التعامل مع العلامات التجارية التي تتماشى مع هويتهم الشخصية وقيمهم، حيث ترتبط أن الهوية الشخصية التي ترتبط بالعميل تجعله يشعر بأن العلامة التجارية تقدم له تجربة متكاملة لا تقتصر على منتج فقط.

وأخيرًا الهندسة السلوكية والهوية الشخصية هما عنصران متداخلان يمكن أن يسهما في تشكيل سلوكيات الشراء لدى المستهلكين. ويمكن للشركات تحقيق تأثير كبير على قرارات المستهلكين الشرائية من خلال ربط الهوية الشخصية بالقيم النفسية، والتحفيز العاطفي، وبناء الانتماء. الهوية الشخصية القوية ليست مجرد استراتيجية تسويقية، بل هي وسيلة لتحفيز وتحريك العملاء نحو الولاء للعلامة التجارية والارتباط بها على المدى الطويل.